بوش الأب ومواقف لها تاريخ - المجلس الوطني الكردي فى كوباني
Loading...
القائمة الرئيسية
أخر الأخبار
بوش الأب ومواقف لها تاريخ

أعاد رحيل الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب عن عالمنا العديد من الذكريات بشأن الفترات التي كان له خلالها دور مهم ومؤثر على الساحة الأميركية، ومن ثم على صعيد العلاقات الدولية وفي مختلف مناطق العالم، حيث التأثير الأميركي بفعل كون الولايات المتحدة قوة عظمى، سواء الفترة التي شغل فيها منصب رئيس المخابرات المركزية الأميركية (الـ سي آي إيه) أو عبر فترتي عمله نائباً للرئيس الأميركي خلال ولايتي رئاسة الرئيس الأميركي الجمهوري الراحل «رونالد ريجان»، أو أخيراً وليس آخراً بالطبع من خلال منصبه على قمة هرم السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة الأميركية: رئيساً رشحه الحزب الجمهوري لفترة رئاسية أولىما بين عامي 1989 و1993، حيث فاز بتلك الاتخابات، بينما حظي مجدداً بترشيح الحزب الجمهوري له في الانتخابات الرئاسية للفترة 1993 – 1997، ولكنه خسر أمام مرشح الحزب الديموقراطي آنذاك «بيل كلينتون». وكما هي العادة مع رحيل كل شخصية بهذا الحجم والتأثير وينتمي إلى دولة بدور ووزن وثقل الولايات المتحدة الأميركية في مختلف شؤون العالم، فإن الرحيل عن عالمنا يكون مناسبة لاستحضار أحداث وأفكار ومواقف جسام للرئيس الراحل أو حدثت خلال فترة تقلده أهم منصب تنفيذي في بلاده، والنظر إليها بعد فترة من وقوعها بما يتيح إمكانية التأمل فيها ومراجعتها بغرض تحليلها وإعادة تقييمها بعين أكثر تعمقاً، ولكنها أيضاً أكثر موضوعية وبعيدة عن العواطف أو المشاعر أو الانحيازات الفكرية أو الأيديولوجية المسبقة.

ويتعين بداية توضيح أمر مهم وخصوصية تميز بها الرئيس الراحل وهو أن جورج بوش الأب كان آخر رئيس أميركي يأتي من خلفية توليه مناصب أخرى رفيعة داخل الإدارة الأميركية، أي داخل السلطة التنفيذية في بلاده، حيث، وكما ذكرنا في مطلع هذا المقال، تولىرئاسة المخابرات المركزية ثم تولى لفترتين متتاليتين منصب نائب الرئيس قبل أن يجلس على مقعد الرئاسة. فمن جاءوا بعده لم يأتوا من مواقع في مؤسسات الدولة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأميركية، حتي لو كانوا في مناصب قيادية،وحتىولو جاء أحدهم، وهو الرئيس الديموقراطي السابق «باراك أوباما»، من خلفية عضوية السلطة التشريعية في واشنطون حيث كان قبل انتخابه رئيساً سيناتور بمجلس الشيوخ الأميركي.

ومن المواقف الفارقة خلال رئاسة جورج بوش الأب على الصعيد العالمي كان حدوث الوفاة الإكلينيكية للحكم الشيوعي في الاتحاد السوفياتي السابق، والذي كان قد بدأ يترنح منذ تولي «جورباتشوف» منصب السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفياتي في منتصف عقد الثمانينيات من القرن العشرين، أي خلال حكم الرئيس الأميركي الراحل «رونالد ريجان»، بل إن الكثير من المؤرخين، خصوصاً الغربيين، أرجعوا لريجان فضلاً كبيراً في هذا الترنح نتيجة السياسات التي اتبعها إزاء الاتحاد السوفياتي السابق، بخاصة تسريع استنزافه مادياً في سباق التسلح في الفضاء الخارجي، وتزامن ذلك مع تشديد قيود تجارية واقتصادية وتكنولوجية على تعاون المؤسسات والشركات الغربية، خصوصاً الأميركية، مع موسكو في ذلك الوقت، بالإضافة إلى مواصلة الحرب الثقافية ضد الأيديولوجية الماركسية اللينينية على الصعيد العالمي، وداخل الاتحاد السوفياتي ذاته والكتلة الشرقية، من خلال أدوات الديبلوماسية العامة وغيرها من الوسائل، بما في ذلك توظيف الدين في تلك الحرب.

إلا أن حقائق التاريخ ووقائعه تؤكد أن الرئيس جورج بوش الأب هو الذي كان عليه من الناحية العملية التعامل مع وضع عالمي جديد انتهت فيه الحرب الباردة، على الأقل في أوروبا، ولكن انتهت معه أيضاً الثنائية القطبية على صعيد النظام الدولي، وهو وضع غير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أي كان عليه قيادة وتوجيه عملية التعامل مع حالة جديدة وضبابية غير متيقنة النتائج ولا العواقب عن طبيعة النظام العالمي الجديد، أو حتي من دون وضوح رؤية بشأن طبيعة المرحلة الانتقالية، وهل يتحرك العالم باتجاه نظام أحادي القطبية أو نحو عالم متعدد الأقطاب؟ ومن الصحيح أن الولايات المتحدة الأميركية هي في نهاية الأمر دولة مؤسسات، وأن كافة تلك مؤسسات الدولة كان لها مدخلاتها وإسهاماتها في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع هذا الواقع الجديد والمجهول، سواء مكونات الإدارة أو الكونغرس أو مراكز الأبحاث والدراسات أو الجامعات أو حتىالقطاع الخاص أو منظمات المجتمع المدني الأميركي، ولكن يبقىللرئيس بوش الأب، من المنظور الأميركي، فضل قيادة هذا الجهد من موقع الرئاسة ولعب دور المايسترو والمنسق له بغرض ضمان أن تكون استجابة القوة الأميركية العظمي حينذاك على نفس مستوىالحدث وأهميته بالنسبة لواشنطون وما يفرضه من تحدياته وما يتيحه من فرص.

وعلى صعيد منطقتنا العربية، فإن الرئيس جورج بوش الأب هو الذي قاد، بل وأسس، التحالف الدولي والعربي لإخراج القوات العراقية من الكويت بعد استيلائها على أراضي الأخيرة بالكامل في الثاني من آب (أغسطس) (آب) 1990، ولا زال هذا الأمر يخضع للكثير من الجدل والنقاش، بما في ذلك حول الدوافع الأميركية الحقيقية لأخذ زمام المبادرة في هذا المجال، بل وعن دور الإدارة الأميركية حينذاك في المقام الأول في سياق ما تردد عن تشجيع السفيرة الأميركية في بغداد آنذاك للرئيس العراقي الراحل صدام حسين على غزو الكويت وتزيين الأمر وتسهيله له بغرض استدراج العراق وجيشه لحرب تستنزف القدرات العسكرية والاقتصادية العراقية، بخاصة بعدما خرج العراق من حرب الثماني سنوات (1980 – 1988) مع إيران في وضعية قوية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بل وربما أكثر تأثيراً مما دخلها إقليمياً ودولياً. وأياً كانت الخلفيات، فالثابت أنه لولا الالتزام الذي أظهره الرئيس بوش الأب بتحرير الكويت بالقوة وبغطاء من مجلس الأمن الدولي، وخوض حرب جوية ثم برية للوصول إلى هذا الهدف، لما كان هذا الهدف قد تحقق على هذا النحو وخلال تلك الفترة الزمنية، وفي ضوء هذا الاعتبار يكون مفهوماً للجميع طبيعة المكانة المتميزة التي يمنحها الشعب الكويتي للرئيس الأميركي الراحل جورج بوش الأب. ولكن حرب تحرير الكويت وتعبئة وحشد الدعم الدولي والإقليمي لها لم تكن العلامة البارزة الوحيدة الباقية من الرئيس جورج بوش الأب في منطقتنا، بل إنه في أعقاب انتهاء الحرب مباشرة بدأ الرئيس الراحل، وبناءًعلى وعود قطعها على نفسه خلال الإعداد لحرب تحرير الكويت وأثنائها تجاه عدد من القادة العرب، خاصة أولئك الذين دعموا التحالف الذي كانت تقوده واشنطون لتحرير الكويت، في تعبئة وحشد التأييد والدعم في اتجاه آخر يتعلق بأعقد قضايا المنطقة على الإطلاق وأكثرها تاريخية ومركزية في آن واحد، وأعني هنا بالطبع القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وتحديداً دفع الرئيس الراحل جورج بوش الأب في اتجاه عقد مؤتمر دولي للسلام في العاصمة الإسبانية مدريد بغرض إيجاد تسوية شاملة ونهائية لهذا الصراع وحل لا رجعة فيه لهذه القضية، وذلك لأول مرة منذ انفراط عقد مؤتمر جنيف للسلام في الشرق الأوسط الذي التأم في أعقاب حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 لفترة قصيرة برعاية الأمم المتحدة حينذاك ولم يستمر كثيراً كما لم يحقق تقدماً يذكر في ذلك الوقت. وقد مارس الرئيس بوش الأب ضغوطاً كثيرة ومستمرة وملموسة على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك «إسحاق شامير» بغرض دفعها للقبول بالمشاركة في مؤتمر مدريد للسلام، وذلك بعد أن ربط الرئيس بوش الأب، بمهارة سياسية وديبلوماسية رفيعة، بين الموافقة على تقديم ضمانات قروض للحكومة الإسرائيلية بقيمة عشرة بليونات دولار، كانت الحكومة الإسرائيلية في أمس الحاجة لها في ذلك الوقت، وبين موافقة الحكومة الإسرائيلية على المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، وهو تكتيك ثبت نجاحه في هذه الحالة، حيث إنه في نهاية الأمر رضخ «شامير»، وذهب إلى مؤتمر مدريد للسلام. وللحقيقة والتاريخ لم يذهب مؤتمر مدريد بعيداً وتعثر بعد فترة ليست بالطويلة، وإن كان البعض ينسب له التمهيد لاتفاق أوسلو الفلسطيني الإسرائيلي ومعاهدة وادي عربة الأردنية الإسرائيلية للسلام، كما أن البعض اعتبر أن ضمانات القروض الأميركية التي تم تقديمها آنذاك لإسرائيل تم توظيفها لدعم مشاريع الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث حصل «شامير» على الأموال، ومن الناحية الفعلية قام بتعطيل تقدم مؤتمر السلام في مدريد.

وكأي شخصية تاريخية، فإن الحكم على مواقف جورج بوش الأب والأدوار التي لعبها ليس بالأمر السهل، كما أنه بالإضافة إلى مواقفه إزاء القضايا الدولية أو تلك التي تهمنا كعرب، كما عرضنا لبعضها فيما سبق، ومع كل الأثر الذي تركه على هذين الصعيدين وغيرهما من الأصعدة الخارجية باعتبار الولايات المتحدة الأميركية قوة عظمىفي عالمنا، فإنه من الناحية الموضوعية العامة تبقىالمعايير الأهم للحكم على فترة حكمه هي تلك المستقاة من تقييم شعبه له، وأخذاً في الاعتبار رؤية هذا الشعب لما حققه، بما في ذلك، بل وفي المقدمة منه، ما يتعلق بالأوضاع والشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية الداخلية، التي يمنحها الشعب الأميركي تقليدياً الأولوية الأولى، وذلك باعتبار أن هذا هو الشعب الذي انتخب جورج بوش الأب لفترة رئاسية وحيدة ما بين عامي 1989 و1993.

* مفكر وكاتب مصري.
وليد محمود عبدالناصر

الأُمم والشعوب الحيّة هي التي تُكرّم مبدعيها


تعليقات فيسبوك
التعليقات مغلقة.
بحث
تابعنا علي فيسبوك

https://www.facebook.com/enkskobaniiiiiii/

الارشيف
القائمة البريدية
اشترك الان ليصلك كل جديد
%d مدونون معجبون بهذه: