لم تكن زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق ومن ثم أنقرة خلال الأيام الماضية “اعتيادية” بالنسبة للكثير من المراقبين، كونها “مفاجئة” وتزامنت مع المضي بمحطات التقارب بين تركيا والنظام السوري برعاية موسكو، وبينما أكد المسؤول على دور بلاده في أي “حل سوري”، كان لافتا تركيزه على “أستانة”، ونية طهران تحديث صيغة هذا المسار السوري الأطول.
وتتلخص فكرة “التحديث” أو تعديل الصيغة بأن يتم إشراك “سوريا” في إشارة من طهران إلى النظام السوري كطرف رابع في “أستانة”، بعدما كان المسار مقتصرا على الثلاثي “الضامن” تركيا وإيران وروسيا، على مدى 19 جولة، ومنذ العام 2017.
وفي حين طرح عبد اللهيان هذه الفكرة على نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في أنقرة، سبقه بالتلويح بها كبير مستشاري الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، بقوله لوسائل إعلام إيرانية إنه “يجري العمل على تحديث شكل محادثات أستانة حول سوريا، تماشيا مع الظروف والمتغيرات الراهنة”.
وأشار خاجي إلى أنه تم إبلاغ النظام السوري بأهمية أن تصبح “أستانة” رباعية، وأنه “في الجولات القادمة التي سنقوم بها إلى دول أخرى من أعضاء في صيغة المسار، سنطرح هذه القضايا ونحاول أن نجعلها أكثر كفاءة وفاعلية مع استراتيجية مناسبة ترتكز على الأوضاع الجديدة في البلاد”.
وعاد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الجمعة ليردد في أثناء مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين فكرة “أهمية تنفيذ عملية أستانة، التي توظف كآلية لتسوية الأوضاع في سوريا”.
“الحراك عدّل الصورة”
وتعتبر إيران أحد حلفاء نظام الأسد الاثنين الذين قدموا له دعما عسكريا وسياسيا، ورجحوا الكفة لصالحه أمام مناهضيه، منذ عام 2011، وبينما خفت اسمها في مسار التقارب الحاصل بين تركيا والنظام السوري لصالح موسكو، جاء حراكها المفاجئ في أنقرة ودمشق ليعدّل المشهد السائد.
وأعطى التقارب الذي بدأ بأول اجتماع على مستوى وزراء الدفاع في العاصمة الروسية موسكو على أن محطاته تسير بشكل ثنائي بين الأخيرة وأنقرة، بعيدا عن طهران، التي عادت لتؤكد أن الملف السوري لا يمكن حلّه “دون وجودها”.
ولذلك يرى مراقبون تحدثوا لموقع “الحرة” أن زيارة عبد اللهيان إلى دمشق وأنقرة لم تخرج عن المعادلة المذكورة السابقة، إذ خَطت باتجاهين وبشكل مفاجئ، لكي تكون حاضرة ضمن ما يحصل، لا سيما أنها سبق وأن عرضت لعب دور “الوساطة” بين تركيا ونظام الأسد.
فيما يتعلق بـ”أستانة” يرى الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمود البازي أن التمسك بها والدعوة لتعديل صيغتها لكي تكون “رباعية” تهدف إلى تحقيق عدة أهداف، منها “حذف الوساطات الخارجية خارج إطار المنصة”، إذ لا تريد طهران لأي أطراف ثانية أن تدخل على خط المصالحة التركية-السورية.
كما لا تريد طهران وفق ما يقول الباحث لموقع “الحرة” عقد اتفاقيات ثنائية أو ثلاثية بين تركيا وسوريا وروسيا بدونها، ولذلك “تدعو طهران الآن لتغيير التركيبة الخاصة بالمسار” والتأكيد عليه.
“إيران تحاول إعادة الدور الإيراني بالوساطة من خلال منصة أستانة”، وعلى مدى الأشهر الماضية كانت الظروف الداخلية التي شهدتها قد استدعت دخول موسكو للعب هذا الدور.
ويضيف البازي: “الإيرانيون لا يريدون اتفاقيات ثنائية خارج أستانة، كونها قد تحمل بنودا سرية وتتعارض مع مصالحهم”، وهم الفاعلون في المسار الثلاثي على الأرض، بينما يحاولون “تأمين مصالحهم عن طريق لعب دور التقارب بين أنقرة ودمشق”.
ومنذ بداية إطلاق المسار كان الهدف من “أستانة” تشكيل إطار عمل مشترك بين تركيا، إيران، روسيا لمنع تجنب اشتباك قواتهم على الأرض، إضافة إلى “ترسيم حدود النفوذ بين الثلاثة”، حسب ما يقول الباحث السوري عروة عجوب.
ويوضح عجوب أن التطور الأخير بتشجيع موسكو لتركيا لإعادة علاقاتها مع النظام السوري بدا وكأن هذه الخطوة “الثنائية” تخرج إيران من الطاولة الثلاثية، ما دفع الأخيرة لإعادة التأكيد على المسار الذي انطلق في 2017.
يقول عجوب لموقع “الحرة”: “ما نعلمه أن إيران غاضبة من النظام السوري، وترجم ذلك بامتناعها عن تزويده بالنفط وطلبها من دمشق أن تدفع ثمن الشحنات نقدا، على عكس النموذج القديم المعتمد على الديون المؤجلة”. وهو ما كشفت عنه صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.
لكن من الصعب تأكيد “الغضب” من إقصائها من عملية “المصالحة” بين أنقرة ودمشق، بينما يشير الباحث إلى أن “دخول الإمارات والحديث عن إمكانية لقاء وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا في أبو ظبي خلّف امتعاضا لدى طهران بسبب التنافس الجيو سياسي مع الأخيرة”.
ويرى عجوب أن “تصور أبو ظبي بأن إيران هي حليف وحيد لكنه ليس بالضرورة جيد وأن النظام لا يملك الكثير من الحلول دفعها لفتح سفاراتها في 2018، وأن تسعى لإزاحة العلاقة بين الطرفين بشكل أو بآخر، أو من خلال تحويل علاقة التبعية إلى علاقة أقل اشتباكا”.
وعلى اعتبار أن زيارة عبد اللهيان إلى دمشق، الأسبوع الفائت، تزامنت مع زحمة التصريحات والمواقف المتعلقة بالتقارب بين أنقرة ودمشق فقد جاءت أيضا في أعقاب زيارة أجراها وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد إلى سوريا أيضا، حيث التقى بشار الأسد ونظيره فيصل المقداد.
وكانت زيارته السابقة إلى العاصمة في يوليو العام المنصرم قد جاءت أيضا في أعقاب زيارة أجراها بن زايد إلى دمشق، بعدما أعادت أبو ظبي علاقاتها مع النظام السوري، على نحو كبير.
ماذا يعني تحديث الصيغة؟
وتعتبر إيران وتركيا وروسيا دولا ضامنة لمسار “أستانة السوري”، ومنذ عام 2017 تجمع أطرافا من المعارضة السورية والنظام باستمرار، من أجل بحث قضايا ميدانية وسياسية في آن واحد.
لكن حديث المسؤولين الإيرانيين بأنه يتم العمل على تحديث صيغة المسار لكي يصبح “رباعيا” قد يحمل أبعادا وتطورات، تزيد من “إعادة تعويم الأسد” وتقلل فرص المعارضة في التفاوض، حسب المراقبين.
ويوضح الباحث البازي أن “الإيرانيون يحاولون إعادة سكة أستانة للمسار الماضي بعدما تعطل بسبب الظروف الداخلية، ولا يريدون أي مسار ثنائي قد يضر بمصالحهم”.
ويقول البازي: “ما تقصده إيران بتحديث الصيغة إلى رباعي لا يعني فرض النظام على تركيا كدولة تجلس على طاولة المفاوضات، لأن أنقرة تتفاوض على هذا الأساس منذ زمن، رغم أنها شككت بشرعية الأسد في البداية”.
ويضيف: “الرسالة الإيرانية تستهدف الأطراف الأخرى، مثل أميركا والغرب وأوروبا، بأن الحلول الخاصة بسوريا يجب أن تمر عبر النظام السوري”.
“إيران تحاول تدويل الرئيس الأسد. هناك 3 لاءات موجودة في الطرف الغربي والولايات المتحدة ويؤكدون عليها، بينما تعمل طهران على التخفيف منها”، من خلال إدخال النظام السوري كطرف رابع في “أستانة”.
وفي السابع عشر من يناير الحالي عقد الاتحاد الأوروبي جلسة بحضور ممثلي كل الدول الأعضاء، لمناقشة الأوضاع في سوريا، وشدد على مواصلة دعم الشعب السوري، والتأكيد على اللاءات الثلاث: “لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات”، طالما لم يشارك النظام بشكل فعّال في الحل السياسي.
ويشير الباحث البازي إلى أن طهران تحاول كسر أولى اللاءات من خلال إحياء مسار تطبيع العلاقات مع النظام السوري. ويضيف: “تعتقد أنه بمجرد تخفيف الأولى يمكن أن تمضي باتجاه مسار إعادة الإعمار ورفع العقوبات”.
من جهته تحدث عروة عجوب، وهو كبير المحللين في مركز التحليل والبحوث العملياتي عن هدفين من إدخال نظام الأسد كطرف رابع إلى “أستانة”، الأول لـ”تضييق الخناق على المسار التركي الروسي، والعودة إلى منصة لها تفاهماتها المسبقة وتضمن دور طهران ونفوذها”.
ويرى الباحث أن “المسار الجديد بين النظام السوري وتركيا برعاية الإمارات وروسيا قد يبعد إيران عن اللعبة”.
ويشير إلى هدف ثانٍ يتعلق بنية طهران إقصاء المعارضة: “إذا أصبح النظام كرابع إلى جانب روسيا وإيران وتركيا لم تعد المعارضة طرفا بل منفذا للمخرجات”.
ومع ذلك “من المبكر حسم إدخال النظام السوري كمطلب إيراني”، في ظل ضبابية مستقبل المصالحة مع تركيا، كما يضيف عجوب بقوله: “أنقرة وموسكو لهما رأي وتفاهماتهما الثنائية كذلك الأمر”.